محاضرة سيكولوجية العنف ضد المرأة 2007م
د.بشرى عبد الحسين
العنف ظاهرة اجتماعية لايخلو منها اي مجتمع من المجتمعات، فهي ظاهرة ارتبط وجودها بوجود الإنسان وتبلورت من خلال مسيرته البشرية. ويأتي هذا نتيجة سياقات وظروف اجتماعية اقتصادية سمحت بذلك فأصبح العنف مشكلة تتعدى إبعادها ويتداخل فيها العالم البيولوجي والاجتماعي بل حتى الاقتصادي والسياسي، كما يضم سلسلة من الأفعال التي تتراوح ما بين الضرر المادي والجسدي والاهانة النفسية وغيرها من إشكال الإيذاء الذي ينبسط على سلم طويل من الدرجات يبدأ بالتهديد والمساومة ماراً بالإسكات والتكذيب والشتم ثم القتل.
والعنف ضد المرأة ظاهرة تاريخية تعود الى الازمان القديمة، وذلك ارتباطاً بتدني مكانتها والتمييز القائم ضدها على اساس الجنس وسيادة ثقافة التسلط الذكوري.
واذا كان موضوع العنف ضد المرأة بكل اشكاله واسبابه من القضايا القديمة الجديدة، الا انها تستحوذ على الاهتمام لدى كافة منظمات ومؤسسات المجتمع المدني نظرا لتفاقم هذه الظاهرة في العديد من المجتمعات سواء المتقدمة منها والمتخلفة، بحيث اصبح هذا الامر يشكل تهديداً للمجتمع باسره وخاصة النساء حيث يتعرضن الى كل اشكال العنف وبشكل قاسي جدا مما جعلها هذا ان تشكل ساحة عظمى لممارسة ثقافة العنف ضدها. ففي احدى الاحصاءات الحديثة المستحصلة من بلدان عديدة، تبين ان نسبة من النساء تتراوح بين 20% ـ 50% قد تعرضن للضرب من الأزواج، وكانت نسبة 18% منهن قد احتجن الى علاج بالمستشفى نتيجة إصابات احدثتها تلك الاعتداءات. كما ان العنف ضد المرأة يترك اثاراً نفسية واجتماعية كبيرة ففي حالات كثيرة : منها تنشئة أطفال غير اسوياء لان الطفل عندما يرى امه تضرب من قبل ابيه ينكمش على نفسه من الخوف وهذه الحالة اذا تتكررت سوف تؤدي الى ظهور حالات نفسية عند الاطفال وكذلك الخوف من اي شيء. كما وجدت بعض لدراسات ان هناك علاقة بين اضطرابات القلق وبين العنف اثناء الطفولة او من شريك الحياة وخاصة العنف الجنسي، حيث وجد ان نسبة 45% ـ 83% من الأشخاص المتعرضين للعنف الجنسي لديهم اعراض ظاهرة من اضطرابات القلق وفقدان الثقة بالنفس مما يجعلهم اكثر عرضة للمخاوف والاكتئاب
كما تعاني الفتيات اللاتي يتعرضن للعنف الجنسي اثناء الطفولة من العديد من السلوكيات السلبية مثل المحاولات الانتحارية وتشويه الذات ومخالفة القانون. وللعنف اثار نفسية أخرى تتمثل بتعاطي الكحول والمخدرات والإصابة بالاضطرابات المعرفية واضطرابات النمو والسلوك.
إما التأثير الاجتماعي للعنف ضد المرأة فانه يتمثل بـ:
1 ـ الطلاق للزوجين الذي يقود الى التفكك الأسري وتشرد الأبناء وتسربهم من المدارس.
2 ـ عدم التمكن من تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة اجتماعية ونفسية متوازنة.
3 ـ فقدان إمكانية تنظيم الأسرة بطريقة علمية سليمة.
والعنف ينجم عن مصادر عديدة ومتداخلة تتمثل بـ :
1 ـ الوراثة:
حيث اعطت الدراسات أهمية كبيرة للإحداث والخبرات التي تعرض لها المعتدي اثناء الطفولة، حيث وجدت الدراسات ان 22% ـ 90% ان الوالدين المعتدين على أطفالهم هم انفسهم تعرضوا الى اعتداء بدني شديد من ابائهم سابقاً. كما وجدت الدراسات انتشار سلوك العنف بين التوائم المتماثلة اكثر من التوائم غير المتماثلة.
2 ـ البيئة :
تلعب البيئة دوراً هاماً في معظم جوانب حياتنا بوجه عام ولها تأثير واضح في انتشار العنف. إذ ان الانسان الذي يعيش في بيئة تعاني من ضغوط بيئية مختلفة تتمثل بالضوضاء والازدحام والتلوث ونقص الخدمات تدفع بالانسان نحو العنف.
3 ـ انخفاض المستوى الاقتصادي والاجتماعي:
وهذا يمثل عاملاً مهماً في انتشار العنف وخاصة الاسري، إذ ان الفقر والبطالة وضغوط العمل وصغر سن الزوجين وصغر حجم السكن وكبر حجم الاسرة من الأسباب المؤدية الى العنف. فضلاً عن انتشار تعاطي الكحول والمخدرات في بعض الاسر وارتفاع معدل الخلافات بين الزوجين. إذ اشارت منظمة الصحة العالمية في تقريرها عام 1992 أن 97% من حالات العنف داخل الاسرة تحدث عن طريق شخص مدمن.
اذن كيف لنا ان نعالج ظاهرة العنف ضد المرأة والحد منها؟
بما ان العنف ينجم عن مصادر عديدة ومتداخلة، لذا يصعب توقع إستراتيجية معينة واحدة ان تمنعه او تسيطر عليه، وهناك عدد من الستراتيجيات او الآليات التي يمكن استخدامها لمنع العنف والوقاية منه وهذه الستراتيجيات صنفت الى محاور ثلاث هي:
• المحور القانوني:
ويتجسد في :
ـ استنهاض دور مؤسسات المجتمع المدني لفضح جرائم العنف المرتكبة ضد النساء ومعاقبة مرتكبيها قانونياً.
ـ ضرورة التعامل مع العنف ضد المراة باعتباره انتهاكاً لحقوقها، والتصدي للتجاهل الحاصل لظاهرة العنف والعمل على توفير البيانات الضرورية حول هذه الظاهرة لرسم إستراتيجيات ملائمة للتصدي الحاسم لهذه الظاهرة.
ـ المنادات بحقوق المراة والاعتراف بها كعنصر مهم في الحياة.
• المحور الثقافي الاجتماعي:
ويتجسد في :
ـ وضع إستراتيجيات وطنية تتضمن حملات توعية للراي العام حول نبذ العنف ضد المراة. ويتضمن ذلك صياغة برامج توعية وتثقيف تعيد الاعتبار لمكانة المراة في المجتمع باعتبارها شريك للرجل ومساوية له في الحقوق والواجبات.
ـ تمكين المراة في مجالات العمل لاقتصادي والاجتماعي والسياسي من خلال تشجيع دور المراة باعتبارها عنصر أساسي في التنمية والحاضنة للحياة.
* محور الإرشاد النفسي:
ويتجسد في :
ـ دعم دور المرشدين التربويين في المدارس من خلال اقامة دورات تدريبية لتدريبهم عن نبذ العنف وكيفية مواجهة الصراع وتحويله.
ـ توجيه اهتمام مؤسسات المجتمع المدني نحو انشاء وحدات إرشادية في الاحياء السكنية تهدف للإرشاد الاسري
ـ وضع إستراتيجيات إرشادية نفسية تتمثل في :
●التفريغ:
وهذا المفهوم يعود الى كتابات أرسطو في ان التعرض للدراما المسرحية المثيرة للانفعال يفيد في تفريغ الانفعالات الكامنة, ويشير فرويد الى ان الطاقة العدوانية تنمو وتكبر داخل الانسان حتى يتم تفريغها في سلوك ما,وكل ذلك قاد الىمايسمى بفرضية التفريغ التي تشير الى ان منح الأشخاص الغاضبين فرصة ممارسة سلوك تعبيري غير مؤذ يفيد في تقليل التوتر والاستثارة لديهم,وكذلك يضعف ميلهم لممارسة السلوك العدواني.
بمعنى اخر يرى علماء النفس والاجتماع ان العنف لايختفي بهذه الطريقة وإنما يتم تفريغه او تحويله في اتجاه أخر اما لفظيا او في نشاط اخر كالرياضة مثلا.
وقد تباينت نتائج البحوث والدراسات في هذا الصدد بين ما يؤيد ذلك وبين ما ينفيه, ولكنها عموما تشير الى ان التفريغ اقل جدوى مما يعتقد وانه قد فشل في العديد من البحوث التجريبية في ان يقلل من السلوك العدواني ان لم يكن قد ادى الى زيادته,على سبيل المثال الاطفال الذين يضربون الدمية تفريغ ولكنه ادى الزيادة السلوك العدواني لديهم.
●التدريب على المهارات الاجتماعية:
ان احد اهم أسباب العنف لدى بعض الإفراد هو افتقارهم للمهارات الاجتماعية الأساسية
اذ انهم:
1- يمتازون بان أسلوب تعبيرهم عن ذواتهم مخربش او غير مقبول اجتماعيا.
2- يجهلون كيفية الاتصال بالاخرين بشكل فاعل.
3- يفتقرون إلى القدرة على تحسس الحالات الانفعالية للأشخاص الآخرين.
4- يجهلون أسلوب أداء الأفعال الاجتماعية الأساسية بطريقة ملائمة اجتماعيا, لذا فأنهم يجهلون متى يصبح احدهم مزعجا او مرغوبا اجتماعيا من قبل الاخرين في المجتمع.
وعلى هذا الأساس اعدت برامج عدة تستهدف تدريب الافراد على تطوير مهاراتهم الاجتماعية التي تتراوح مابين الاتصال والتواصل مع الاخرين وبين تنمية القدرة على التعامل مع حالات الرفض والتوتر.
وعلى الرغم من ان هذه الوسيلة لاتفيد في جميع الحالات وانما في الفئات المنتقاة جيدا, الا انها تعد أداة واعدة في تقليل او نبذ العنف.
●النمــذجـــة:
وهذه تستند الى فرضية التعلم بالنمذجة فهي كما تفسر اكتساب السلوك العدواني فانها يمكن ان تستثمر
لتقليله وتعديل اتجاهات الافراد نحوه من خلال:
-تقليل افلام العنف المقدم في وسائل الإعلام.
-ملاحظة السلوكيات غير العدوانية وهي تعزز او السلوكيات العدوانية وهي تعاقب.
-عرض السلوكيات الايجابية المقبولة اجتماعيا والتشجيع على ممارستها(مثل: الإيثار,التعاون)
غير ان هذا الأسلوب له حدود اذ انه يعلم الافراد وسائل محددة للسلوك في مواقف محددة, لذا فانهم
قد لايتصرفون بشكل ملائم وغير عدواني في المواقف الجديدة.
● مبدأ الاستجابات المتنافرة او المتضادة:
يتفق العلماء على ان الانسان غير قادر على الانشغال باستجابتين متنافرتين في آن واحد . وقد تم توظيف ذلك لضبط سلوك الشخص العنيف وتقليل اذاه .
وهذا يعني ان اي ظرف يعمل على استثارة استجابة او حالة انفعالية لدى المعتدي تتنافر مع حالة الغضب او العنف يفيد في تقليل مستوى العنف لديه. وركز الباحثون على عدد من الاستجابات التي تفيد في تطبيق هذا المبدا منها:
1- التعاطف:
عندما يهاجم الشخص العنيف شخصا اخر وجها لوجه فانه يتعرض الى ردود فعل الضحية ( المعاناة والالم وربما البكاء وحتى التوسل لطلب الرحمة). وهذه قد تثير لدى المعتدي رد فعل تعاطفي يقلل من العدوان اللاحق.وهنا يمثل التعاطف رد فعل انفعالي يتقاطع مع العنف فيدفع المعتدي الى تقليل رد الفعل ذلك من خلال تقليل العنف لديه.
غير ان ذلك ليس صحيحا دائما ,لاسيم اذا ما كان المعتدي قد قاسى كثيرا على يد الضحية سابقا,ففي هذه الحالة يعززا لم الضحية وعذابها عدوان المعتدي بقصد الانتقام.
2-استثارة مشاعر الذنب لدى المعتدي :
لوحظ إن استثارة مشاعر الذنب لدى الشخص المعتدي، والتي تدور فعل العدوان غالباً ما تقلل من سلوك العنف لدى الشخص المعتدي.
• العقاب:
هناك جدل وخلاف كبير حول جدوى العقاب كوسيلة لتغيير سلوك الإفراد، فكان يعتقد سابقاً إن العقاب يعدل السلوك، ثم أظهرت الدراسات إن أثره مؤقت لذا قل دعم ذلك وتأييده. وعلاقة العقاب بالعنف علاقة مركبة إذ أن العقاب ليس بالضرورة أن يؤدي دور الرادع لسلوك العنف بل يمكن أن تكون له تبعات سلبية ( مثل تقليل التحسس للألم والعقوبة ) .
وعموماً فأن الدراسات عادت لتشير إلى أن العقاب يمكن أن يفيد في تغيير السلوك العنيف في حالة مراعاة ما يلي:
1- قصر الفترة الزمنية بين ممارسة سلوك العنف والعقاب .
2- أن يكون العقاب شديداً نسبياً .
3- استخدام العقاب بشكل متسق مع سلوك العنف .
4- أن لا يظهر المعاقب وكأنه نموذج عدواني.
5- أن يفهم المعاقب جيداً لماذا عوقب .